أنا سعيد بكوني مواطناً من بريطانيا، لأني أحب الحياة فيها. هناك بالطبع بلاد كثيرة في العالم ذات مناخ أفضل، ولكن ليس هناك سوى القليل من البلاد التي أرغب في الانتماء إليها. مع ذلك فأنا لا أنظر إلى نفسي باعتباري من رعايا المملكة، حيث أشبه في ذلك تماماً المؤرخ السويسري العظيم "جاكوب بوركهارت" الذي قال إنه يريد بعد أن يموت أن يكتبوا على قبره العبارة التالية: "المتوفَّى لم يكن من رعايا أحد". أما ما يتعلق بهويتي القومية، فإن الأشياء التي تجعل قلبي يدق أسرع سواء في الشعر، أو الموسيقى أو الرياضة، هي إنجليزية أكثر من كونها بريطانية. وحتى عندما يلعب منتخب إنجلترا مباراة سيئة في "الريجبي"، فإنني لا أفكر ولو للحظة واحدة في الانتقال لتشجيع اسكتلندا. غير أني أضيف لذلك أيضاً أن لديّ هويات وولاءات أخرى لأكسفورد، ولندن، وللنطاق الأنجلوسكسوني عبر أوروبا، وللعالم كله باعتباري مواطناً عالمياً في النهاية. والحقيقة أن هذه الأبعاد المتعددة، تُعَرِّف -وتعقد في الوقت ذاته- السجال الدائر حول المواطَنة في بريطانيا، الذي استمر على مدى العقدين الماضيين، والذي تركز حول الفكرة الخاصة بأن الناس الذين يعيشون داخل حدود دولة معينة هم في النهاية مواطنون لا رعايا. وخلال هذين العقدين، دخلت عناصر عديدة على تلك المناقشة، منها نقل السلطة إلى اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، والتكامل مع أوروبا، والهجرة، والاضطرابات العنصرية، والإرهاب "الإسلاموي" المحلي المنشأ. ومنذ أن تولى "جوردون براون" منصب رئيس الوزراء في بريطانيا وصل هذا السجال إلى أقصى مداه، بحيث يمكن القول إنه لا يكاد يمر شهر حتى يقوم وزير، أو مركز بحثي، أو مدير مؤسسة متعاظم، بتدشين مبادرة جديدة تحمل عناوين مثل "المواطَنة النشطة" أو "المواطَنة المكتسبة". وقد كانت آخر هذه المبادرات هي تلك التي أطلقها المدعي العام البريطاني السابق اللورد "بيتر جولد سميث" والتي تحمل عنوان "مراجعة نقدية لموضوع الجنسية". إلى ذلك تلقينا وعوداً بأن الحكومة البريطانية ستقوم خلال الخمسة شهور القادمة بتقديم اقتراح بشأن ما يعرف بـ"مشروع قانون الحقوق والمسؤوليات" ووعوداً أخرى بإطلاق حوار قومي -بمبادرة حكومية- حول "بيان القيم البريطانية"، وأن ذلك كله سيتوج بما يعرف بـ"مؤتمر قمة المواطنين". وعلى رغم تحفظاتي بشأن تلك الوعود، فإن ما أود قوله إن هذه المناقشة على رغم كل شيء هي مناقشة حيوية بالفعل، وإن هناك أصداءً لها تتردد في العديد من الدول في مختلف أنحاء العالم، خصوصاً تلك التي يتم تعريف مواطنيها من خلال انتمائهم المدني -كمواطنين- وليس من خلال انتمائهم العرقي. ومع ذلك يتعين علينا القول إن التعبير الصريح عن أفكار المواطَنة في بريطانيا لا يزال أقل منه في دول أخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا على سبيل المثال لا الحصر. فالوثيقة المعروفة باسم "مراجعة بقلم جولد سميث" تعرضت إلى نقد حاد في وسائل الإعلام البريطانية، وخصوصاً فيما يتعلق بالاقتراح الذي قدمته، والذي ينص على أن أي شخص يريد أن يكون مواطناً بريطانياً، يجب أن يقسم قسَم الولاء للملكة. وهناك في رأيي أشياء لا يمكن أن تنجح في بريطانيا، ومنها على سبيل المثال أداء القسَم على الطريقة الأميركية، أي أن يقوم الشخص الذي سيحصل على الجنسية الأميركية بوضع يده على الصدر أثناء تحية العلم، ومنها تخصيص يوم للاحتفال بما يطلق عليه "العيد الوطني"، وأيضاً تقديم نسخة مشرقة نصف أسطورية عن تاريخنا الوطني الحافل بالبطولة والفداء كي يطلع عليها المتقدمون لنيل الجنسية. إن تلك الأمور لن تنجح في بريطانيا لأسباب عدة منها: أولاً، أن بريطانيا أمة تتكون من أربع دول وأربعة شعوب. ثانياً، لأننا نعيش الآن في القرن الحادي والعشرين وليس في القرن التاسع عشر. ثالثاً، لأنه لا يتوجب على المؤرخين أن يطوفوا كالباعة الجائلين لعرض بضاعتهم التاريخية الأسطورية. ورابعاً وأخيراً، لأننا بريطانيون ولسنا أميركيين. إن ما أريده منكم هو أن تتأملوا في معنى ونص قسَم الولاء لبريطانيا ثم تقولوا لي ما معنى أن يقف أي شخص يرغب في الحصول على الجنسية البريطانية كي يقول: "أتعهد بأن أكون مخلصاً، وأن أحمل روح الولاء لصاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية، وأولياء عهدها وأحفادهم طبقاً لما ينص عليه القانون". وهذا يعني أن يمد أي شخص راغب في الجنسية البريطانية ولاءه من الملكة للأمير تشارلز ثم للأمير ويليام -ناهيكم بالطبع عن الأمير هاري. وإذا ما واصلنا قراءة نص القسَم فسنقرأ بعد ذلك: "كما أتعهد بأن أقدم ولائي للمملكة المتحدة، وأحترم حقوقها وحرياتها، وأن أساند القيم الديمقراطية، وألتزم بالقوانين بكل أمانة، وأن أؤدي واجباتي والتزاماتي كمواطن بريطاني على الوجه الأكمل". بالنسبة لهذا الجزء من القسَم أقول إنني أقبل ما جاء فيه بكل سرور، بل إنني أرى أنه يجب دراسته من قبل الجميع بلا استثناء. والشيء الذي لا يقل عن ذلك أهمية هو أن يتلقى الراغبون في الحصول على الجنسية البريطانية، فصولاً دراسية في تاريخ بريطانيا، والدول التي تتكون منها، والجاليات المهاجرة إليها، بحيث نقدم لهم في النهاية تاريخاً يشمل كافة الأمور الحيوية والراسخة، وليس تاريخاً أسطورياً. قد تبدو هذه الأفكار معقدة، ولكن يجب علينا أن نضع في اعتبارنا أنها أفكار مهمة، وأنها تتطلب مثابرة، كما تتطلب خيالاً حتى نتمكن من تحويلها إلى حقائق ملموسة في الشارع حيث تكون الحاجة إليها ماسَّة للغاية. فبعد مرور عشرين عاماً كاملة من النقاش والحوارات، أعتقد أن الوقت قد حان كي نتحدث أقل ونفعل أكثر. ــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست